شيء للوطن

م.صلاح غريبة… يكتب
Ghariba2013@gmail.com
مأساة محمد صلاح: ناقوس خطر في غربة السودانيين بمصر
فُجعت الجالية السودانية في مصر برحيل الشاب محمد صلاح، الذي أسلم الروح في طوارئ مستشفى بدر الجامعي، ليس فقط نتيجة جراح جسدية ألمّت به إثر اعتداء غاشم، بل نتيجة واقع معقد يمزج بين قسوة “الغربة” وتوحش “الجريمة” وغياب “الوعي الأمني” لدى البعض.
قصة محمد صلاح ليست مجرد خبر عابر عن وفاة، بل هي مرآة تعكس أزمات متداخلة نعيشها اليوم، وتطرح تساؤلات حارقة حول الأمان الشخصي والمسؤولية الجماعية.
الجانب المضيء في هذه المأساة تمثل في “الفزعة” السودانية الأصيلة؛ حيث نجحت صفحات الجالية السودانية بمصر (الغير رسمية) في جمع مبلغ مالي معتبر في وقت قياسي لإنقاذ محمد. هذا التكاتف يثبت أن “الخير في أمتي” لا يزال نابضاً. لكن، وفي المقابل، تبرز علامات استفهام حول التقييم الطبي الأولي؛ كيف يُطلب من أسرة مريض بحالة حرجة استلامه بحجة أن حالته تسمح بالخروج، ليعود بعد يومين في حالة احتضار؟ إن هذا الخلل في تقدير الحالات الطبية الحرجة يضع حياة الكثيرين على المحك ويستوجب مراجعة دقيقة لإجراءات التعامل مع الإصابات الناتجة عن اعتداءات عنيفة.
الأكثر إيلاماً في إفادات شهود العيان والمقربين هو الإشارة إلى أن المعتدين “سودانيون”. هنا نصل إلى مرحلة حرجة من تآكل النسيج الاجتماعي في الغربة. أن يتحول اللاجئ أو المغترب إلى “ذئب” يترصد بأخيه الذي يشاركه محنة البعد عن الوطن، فهذا مؤشر خطير على انحدار أخلاقي وسلوكي يتطلب وقفة حازمة. هؤلاء القلة الذين اختاروا طريق النهب والسرقة والقتل لا يمثلون إلا أنفسهم، لكنهم للأسف يلطخون سمعة جالية عُرفت تاريخياً بالأدب والأمانة، مما يعرض الآلاف لمضايقات أو نظرات ريبة هم في غنى عنها.
إن مقتل محمد صلاح يجب أن يكون نقطة تحول في سلوكنا اليومي. نحن نعيش في ظروف استثنائية، وفي مناطق صناعية وأطراف مدن (مثل أكتوبر، السادات، وبدر) تتطلب حذراً مضاعفاً. الرسائل التي انتشرت عقب الحادثة ليست من باب التخويف، بل هي “فقه ضرورة” للنجاة وذلك بالحد من التحرك ليلاً:د. فالشوارع المظلمة والخالية في المناطق البعيدة هي البيئة المثالية للمجرمين، بالإضافة الى الاقتصاد في المظاهر: حمل الهواتف الباهظة والمبالغ المالية الكبيرة في مناطق العمل والعمال مخاطرة غير محسوبة، والحذر الجماعي، “الذئب يأكل من الغنم القاصية”، والتحرك في مجموعات أو التواصل الدائم مع الأهل هو حائط الصد الأول.
رحل محمد صلاح وترك خلفه غصة في قلب كل سوداني، وترك مسؤولية قانونية أمام السلطات المصرية لملاحقة الجناة، ومسؤولية أخلاقية أمام الجالية لستر جثمانه ودعم أسرته. لكن الدرس الأكبر يبقى لنا نحن الأحياء: إن الغربة قاسية بما يكفي، فلا تجعلوها قاتلة بإهمال شروط السلامة أو بالتستر على المجرمين بيننا.
رحم الله محمد صلاح، وجعل دمه سبباً في استيقاظ وعينا الجماعي لحماية شبابنا وبناتنا من غدر الزمان وظلم الإنسان


